أثار الحديث عن قرار تعريب تدريس العلوم الطبية في جامعة الأزهر، وخاصةً في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، جدلاً واسعًا في الأوساط الأكاديمية والطبية في مصر؛ فبين مؤيدٍ يرى فيه عودة للأصالة وإثراءً للغة العربية، ومعارضٍ يُحذر من تأثيره على جودة التعليم ومواكبة التطورات العالمية، يبقى السؤال مطروحًا: ما حقيقة هذا القرار وما هي أبعاده؟
أصدر المركز الإعلامي لجامعة الأزهر بيانات توضيحية أكدت فيها أن الأمر لا يتعدى كونه "دراسة علمية متأنية حول إمكانية تعريب العلوم الطبية، ومدى قابلية ذلك للتطبيق"، وشددت الجامعة على أنها تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد الأكاديمية والتقنية والتطبيقية لضمان تحقيق أفضل معايير التعليم الطبي وتلبية احتياجات الطلاب والمجتمع.
وقد كشف الدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والمشرف العام على مستشفيات الجامعة أن قرار تعريب العلوم الطبية لا يزال "تحت الدراسة والمناقشة"، مؤكدًا أن اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن يُعتبر "قرار دولة".
واتخذت جامعة الأزهر أولى خطواتها العملية نحو تعريب بعض العلوم الطبية، حيث وقع رئيس الجامعة قرارًا بتشكيل لجنة من قسم الطب النفسي بكلية طب الأزهر لتعريب مناهج القسم، برئاسة الدكتور محمود عبد الرحمن حمودة، أستاذ الطب النفسي ورئيس القسم الأسبق. وتُعتبر هذه الخطوة بمثابة تجربة أولية لتقييم إمكانية تعميم التعريب على باقي أقسام الكلية.
ويرى المؤيدون لتعريب العلوم الطبية في جامعة الأزهر أنه يُمثل عودة للأصالة، حيث أن العلوم الطبية وُضعت في الأصل باللغة العربية على يد علماء المسلمين، ثم ترجمها الغرب، ويُؤكدون أن تعريبها الآن يُساهم في إثراء اللغة العربية وإعادتها إلى مكانتها كوعاء للعلوم. كما يُشيرون إلى أن ابن سينا كتب الطب بالعربية وجمعه في أرجوزة طويلة.
وفي الوقت نفسه يُثير تعريب العلوم الطبية بعض التحديات والمخاوف، منها:
- توحيد المصطلحات، وهو ما يعود إلى وجود مصطلحات طبية عالمية مُتفق عليها، ويُثير تعريبها مخاوف من حدوث لبس أو صعوبة في التواصل مع المجتمع الطبي الدولي.
- توافر المراجع والمصادر؛ إذ إن غالبية المراجع والمصادر الطبية الحديثة مكتوبة باللغة الإنجليزية، ويحتاج تعريبها إلى جهود كبيرة.
- مواكبة التطورات، وذلك لأن سرعة التطورات في المجال الطبي تُتطلب مواكبة مستمرة للمستجدات، وهو ما قد يصعب مع عملية التعريب.
ويبقى قرار تعريب العلوم الطبية في جامعة الأزهر قيد الدراسة والمناقشة، ويحتاج إلى دراسة متأنية لجميع جوانبه قبل اتخاذ أي قرار نهائي، وبين تأييد فكرة العودة للأصالة وإثراء اللغة العربية، ومخاوف التأثير على جودة التعليم ومواكبة التطورات العالمية، ويبقى الحوار مفتوحًا بين جميع الأطراف المعنية للوصول إلى أفضل الحلول التي تُخدم مصلحة الطلاب والمجتمع.