في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب ميانمار في نهاية مارس، توجهت طائرات الإغاثة الهندية في مهمة إنسانية عاجلة. إلا أن التحديات التي واجهتها لم تكن ناجمة عن الظروف الجوية أو مشاكل في الهبوط، بل كانت هجمات خفية على نظام الملاحة. فقد كشف الجيش الهندي عن تعرّض تلك الرحلات لتلاعب في نظام «GPS»، مما أجبرها على الاعتماد على أنظمة بديلة لتحديد المسار.
شهد العالم منذ صيف 2024 تصاعدًا غير مسبوق في هجمات تزييف الـ«GPS»، خاصة في مناطق النزاع مثل أوروبا الشرقية، الشرق الأوسط وميانمار. وتأثرت أكثر من 2000 رحلة جوية يوميًا عالميًا، ما أبرز هشاشة أنظمة الملاحة العالمية أمام تلك الهجمات الرقمية المتطورة.
أشار الباحث في الأمن السيبراني، بينوا فيجيت، إلى تورط دول بوعي في هذه العمليات نظرًا لدقتها وتنظيمها العسكري، مؤكدًا عبر موقع «دارك ريدنج» أن هذه الهجمات ليست عشوائية، بل تكتيكات عسكرية منظّمة.
في ميانمار، بدأت عمليات التشويش قبل الزلزال وسط الاضطرابات السياسية والعسكرية. وفي مناطق كالبحر الأسود والشرق الأوسط، باتت الهجمات السيبرانية أداة فعالة في الحروب الحديثة لتضليل الطائرات والصواريخ والطائرات المسيّرة، عبر استخدام إشارات تفوق قوة إشارات الأقمار الصناعية لخداع الأجهزة. رغم انخفاض وتيرة الهجمات لفترة وجيزة في نهاية 2024، شهد العام 2025 زيادة في وتيرة هذه الهجمات خاصة في جنوب شرق آسيا.
حرب جديدة تفتحها هجمات الإشارات الخفية
تظهر هذه الحرب الصامتة مع تزايد اعتمادنا على إشارات غير مرئية، لتذكرنا بأن التكنولوجيا التي نعتبرها بديهية قد تستخدم كسلاح أو تكون هدفًا في الصراعات المستقبلية. لذا تتطور التقنيات الدفاعية والجيوش تستعين بهوائيات مشفّرة، بينما تتجه الشركات التكنولوجية لحلول جديدة مثل الملاحة الكمومية التي تقدمها شركات مثل «Q-CTRL»، والتي لا تعتمد على الأقمار الصناعية ولا يمكن تشويشها أو خداعها.
تقنيات الملاحة وتعرّضها للهجمات الدولية
في أبريل 2023، وبينما حلق آلاف الطائرات فوق العالم، وقعت سلسلة من عمليات التشويش المتعمدة على نظام «GPS»، حيث أدخلت إشارات خاطئة أربكت الأنظمة وقدمت معلومات مضللة حول المواقع الجغرافية. ما بدا للوهلة الأولى كخلل تقني مؤقت تحول إلى أزمة عالمية، حيث تأثرت نحو 10 آلاف طائرة بذلك الشهر وحده.
ولا يقتصر الأمر على الطيران المدني؛ إذ إن نظام تحديد المواقع يعد شريانًا حيويًا للجيوش حول العالم لحماية مواقع حساسة وتوجيه القوات بدقة في ميادين القتال. استهداف هذا النظام غالبًا ما يكون جزءًا من خطط متعمدة للاستفادة الاستراتيجية أو لتعقّب شخصيات بارزة والتأثير على توازن القوى.
هل يؤثر ذلك الاستخدام للـGPS في الحروب على خصوصية المدنيين؟