عم سعيد، الرجل الستيني والسائق المتفاني في عمله، فقد حياته بطريقة مأساوية تحت أيدي "محمد.ص"، مالك الفرن البلدي في منطقة الوراق بمحافظة الجيزة، وابنيه إسلام ومهند. جريمة بشعة نفّذت علنيًا أمام أعين الناس، حيث تعرّض للطعن والضرب حتى فارق الحياة. هذه الحادثة المؤلمة كانت بسبب خلاف تافه على موقف أتوبيس، وفق ما كشفت عنه تحريات الأمن وروايات أسرته وشهود العيان.
كانت الجريمة ستبدو كبقية الوقائع العنيفة التي باتت تحدث بشكل متكرر، إلا أن الضحية هذه المرة كان رجلًا مثل عم سعيد—رجلٌ كرّس حياته في سبيل أسرته. عمله كسائق للأتوبيس لم يكن مجرد وظيفة بل جزءًا من حياته اليومية التي ارتبط بها دون تذمر. كان ينهض باكرًا كل صباح ليقود الأتوبيس، حاملاً العمال والموظفين إلى مواقعهم، متحملًا أعباء الحياة بصدر رحب وأمل كبير بأن يأتي يومٌ يستطيع فيه أن ينهي رحلته المهنية بأمان ويجلس مع أسرته ليفطر بينهم في رمضان دون اضطراره لمغادرة المنزل قبل حلول الليل.
في الليلة التي سبقت الحادثة، جلست زوجة عم سعيد بجواره تستعد معه لاستقبال رمضان. ناقشت معه بعض المستلزمات الناقصة للبيت، فأجابها بابتسامة مطمئنة: "كل حاجة هتكون جاهزة قبل رمضان". لم يكن ذلك وعدًا فقط، بل كان تأكيدًا لرجل عاش بأمانة ومسؤولية لأسرته، رجلًا لم يدع للمرض أو التعب أن يمنعه من أداء دوره.
في الأيام الرمضانية المعتادة، كان لديهم تفاصيل خاصة تزين المائدة بحضور عم سعيد. كان يبدأ الإفطار بتناول التمر ويردد دعاء الإفطار بصوت مميز، ما يجعل أبناءه ينظرون بإعجاب إليه وهو يقسم الطعام ويوزع البركة بينهم. ولكن هذا العام، لم يكن على المائدة ليقسم التمر ولا ليبتهل بالدعاء؛ لقد غاب عم سعيد للأبد.
البداية كانت في السادسة صباحًا عندما أوقف عم سعيد الأتوبيس كالعادة أمام فرن "محمد.ص" ليشتري خمسة أرغفة ويكمل طريقه للعمل. لكن اعتراضًا غاضبًا واجهه صاحب الفرن الذي طالبه بنقل الأتوبيس فورًا بزعم تعطل الطريق. حاول عم سعيد أن يهدئ الأمر مؤكدًا أنه سيغادر خلال دقائق، إلا أن التوتر تصاعد بشكل غير متوقع. قام صاحب الفرن بدفعه بعنف أمام الجميع، ليجده نفسه ساقطًا على الأرض يشعر بالمهانة.
في لحظة غضب واستغاثة، اتصل عم سعيد بابنه عادل ليخبره بما حدث ويطلب حضوره. جاء عادل مسرعًا ليجد والده واقفًا لكن بعينين مليئتين بالانكسار والألم. لم تمضِ دقائق حتى ظهرت المأساة الكبرى: صاحب الفرن وابناه هاجموا الأب والابن معًا بأسلحة حادة، لتتحول المواجهة إلى كارثة دموية. طُعن عادل في يده وأصيب بجروح خطيرة قطعت أوتارها تمامًا، واضطر شقيقه مصطفى إلى نقله مسرعًا للمستشفى.
وفي غياب مصطفى عن المشهد للحظات معدودة، كان والدهم يواجه مصيره المحتوم. تعرض عم سعيد لسلسلة من الطعنات القاسية والضرب الوحشي الذي أودى بحياته في النهاية. كل واحدة من تلك الطعنات كانت تنتزع منه عامًا من عمره الذي أفناه في الخدمة والكفاح.
الخبر وصل إلى عادل المصاب بينما كان يرقد في المستشفى فاقد الوعي؛ أخبره شقيقه مصطفى بأن والدهما قد توفي. رغم جراحه وآلامه الشديدة، أصر عادل على مغادرة المستشفى ليحضر جنازة والده، مرددًا: "لازم أحضر جنازة أبويا". خرج بالفعل ويده مغطاة بالشاش الأبيض والجراح تمزق جسده وروحه.
في منزل عم سعيد، سيطر الحزن والذهول على جميع الحضور. الزوجة المكلومة وقفت عاجزة تفكر كيف فقدت رفيق عمرها من أجل أرغفة خبز. بينما كانت الجريمة مجرد نتيجة لخلاف بسيط حول موقف الأتوبيس، فإن ما حدث كان مأساة أحالت الحياة في البيت إلى ألم لا يوصف.
صاحب الفرن وابنه وقعوا في قبضة الشرطة سريعًا فيما بعد
كان للمشهد الذي شهده "أبوسماح" ذلك اليوم أثرٌ كبير، ليس فقط على حالته النفسية وإنما أيضًا على تساؤلات حول قضايا أكبر تتعلق بالمجتمع والاقتصاد. إن العنف، كما هو الحال في قصة "عم سعيد"، له انعكاسات خطيرة تمتد إلى كل جوانب الحياة، بما في ذلك الاقتصاد.
تأثيرات العنف على الاقتصاد المصري:
العنف يعطل عجلة الإنتاج ويضعف ثقة المستثمرين في استقرار السوق. عند تفشي أحداث عنف مشابهة، يصبح المواطنون أقل ميلاً للاستهلاك اليومي، كما حدث مع "أبوسماح" الذي امتنع عن شراء الخبز لأنه شعر بأنه ملوث برائحة تلك الجريمة. إلى جانب ذلك، يؤدي العنف إلى أعباء مالية إضافية تشمل تكاليف الرعاية الصحية لمعالجة الضحايا، وتدمير الممتلكات، والزيادة في الإنفاق العام على الأمن وإعادة الإعمار. كما تتراجع السياحة، أحد مصادر الدخل المهمة لمصر، متأثرةً بصورة البلاد المتضررة من عدم الاستقرار.
دور الشرطة في مكافحة العنف:
تكمن مسؤولية الشرطة في منع أحداث مشابهة لتلك التي راح ضحيتها "عم سعيد"، وذلك من خلال تعزيز منظومة الأمن وتحقيق العدالة السريعة والشفافة. من مهامها أيضًا بناء الثقة بين المواطنين عبر تقديم نموذج يُظهر أن القانون يسري على الجميع بلا استثناء. وفي حالات العنف الناجم عن أزمات اقتصادية، كالتقاتل على الخبز، ينبغي أن يكون دور الشرطة وقائيًا عبر التعاون مع الجهات المعنية لضمان توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين قبل أن تتحول الأزمات إلى نزاعات دامية.
يُظهر المشهد البسيط أمام الفرن التداخل العميق بين القضايا الاقتصادية والاجتماعية. فالحل لا يعتمد فقط على ردع الجريمة أو مطاردة مرتكبيها، بل يكمن في معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع البشر إلى اختيارات يائسة، كتلك التي أدت بحياة "عم سعيد".