في سياق تصاعد التوتر في الضفة الغربية، شهدت قرى فلسطينية في محافظة قلقيلية أمس تصعيدًا خطيرًا، إثر هجمات منظمة شنّها مستوطنون على الأراضي الزراعية والمنازل.

  في قريتي جيوس وعزون، استهدف المستوطنون بشكل مُباشر أشجار الزيتون، التي تُمثل عصب الاقتصاد الزراعي الفلسطيني ورمزًا للصمود والهوية الوطنية، وقد أضرموا النيران في مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بهذه الأشجار، مُتسببين في خسائر فادحة تُهدد سُبل عيش المزارعين الفلسطينيين وتُلحق ضررًا كبيرًا بالتراث الزراعي الفلسطيني.

  وأفاد شهود عيان بأن العشرات من المستوطنين، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، وصلوا إلى القرى في ساعات الليل المتأخرة، في هجوم يبدو أنه كان مُخططًا له مُسبقًا، وبدأوا اعتداءاتهم بإلقاء الحجارة على منازل المواطنين الفلسطينيين، ثم عمدوا إلى إضرام النيران في المحاصيل الزراعية، مُستغلين الظلام لارتكاب جرائمهم.

   وأفادت فرق الإطفاء المحلية بأن عملية السيطرة على النيران استغرقت ساعات طويلة ومرهقة، وذلك بسبب النقص الحاد في الإمكانات والمعدات اللازمة لمواجهة حرائق بهذا الحجم، وقد ساهم تأخر السيطرة على النيران في اتساع رقعة الدمار، حيث أتت النيران على أكثر من 50 دونمًا من الأراضي الزراعية، أي ما يُعادل 50 ألف متر مربع، مُلحقةً خسائر فادحة بالمزارعين.

  وردًا على تصاعد وتيرة الاعتداءات، تظاهر مئات الفلسطينيين في قلقيلية، مُطالبين بتدخل دولي عاجل لوقف هذه الهجمات. وقد أيّدت منظمات حقوق الإنسان الدولية هذه المطالب، مُناشدةً المجتمع الدولي العمل على تفعيل آليات المُحاسبة بموجب القانون الدولي، الذي يُعتبر استهداف المدنيين وأراضيهم الزراعية انتهاكًا خطيرًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويُمكن أن يُصنّف كجريمة حرب

  وبمرارة وأسى، عبّر أحد سكان قرية جيوس عن حجم المعاناة التي يعيشها السكان قائلًا: "إنهم يحاولون تدمير حياتنا بالكامل، ليس فقط بإحراق محاصيلنا التي نقتات منها، بل أيضًا ببث الرعب والخوف في نفوسنا، لتهجيرنا من أرضنا، هذا إرهاب يومي نعيشه تحت أعين قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي لا تُحرّك ساكنًا لوقف هذه الاعتداءات، بل تُوفر الحماية للمستوطنين المُعتدين." يُضيف هذا التصريح شهادة حية على الواقع المُر الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الاحتلال، ويُبرز التواطؤ الواضح لقوات الاحتلال مع المستوطنين.

  وفي تناقض صارخ مع ادعاءات إسرائيل بالرغبة في السلام، أدانت السلطة الفلسطينية الهجوم، واصفةً ما حدث بأنه "جريمة حرب" تهدف إلى تقويض أي فرصة لتحقيق السلام، من خلال تهجير الفلسطينيين بالقوة، وفرض واقع جديد على الأرض بالقوة، ودعت السلطة المجتمع الدولي إلى كشف زيف هذه الادعاءات، واتخاذ إجراءات عملية لوقف هذه الانتهاكات. 

  وفي هذا السياق دعا نشطاء حقوقيون ومنظمات دولية تُعنى بحقوق الإنسان، المجتمع الدولي إلى إنهاء حالة الصمت المُخزية إزاء الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، مُحذرين من أن هذا "الصمت الدولي يُشجع على استمرار هذه الجرائم" بل ويُساهم في خلق بيئة حاضنة لمزيد من العنف والتطرف، ويُقوّض فرص تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.

   وتُشير هذه الهجمات إلى مرحلة جديدة وخطيرة من التصعيد في الضفة الغربية المُحتلة، حيث يُواجه الفلسطينيون واقعًا مُرًا يتمثل في الضغط المُضاعف بين التوسع الاستيطاني المُستمر، الذي يلتهم أراضيهم، والتهجير القسري الذي يُهدد وجودهم بأكمله، وفي ظل الغياب التام للردع الدولي الفعّال، وعدم مُحاسبة المُعتدين، يبدو أن الوضع ينزلق نحو المزيد من التدهور والعنف، ما لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل فوري وحاسم لحماية حقوق الفلسطينيين الأساسية ووضع حد لهذه الجرائم المُتكررة التي تُقوّض فرص السلام والاستقرار في المنطقة.