الكاتبة : آية عادل

في اجتماع مجلس الوزراء الذي عُقد اليوم الأربعاء بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، عرض وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، النظام الجديد للبكالوريا المصرية كبديل عن الثانوية العامة، والذي يعتمد على تنمية المهارات الفكرية والنقدية للطلاب بدلًا من الحفظ والتلقين، وسيُطبق هذا النظام على طلاب الصف الأول الثانوي من العام المقبل.

  وتأتي هذه الخطوة في سياق جهود الوزارة المُتواصلة للارتقاء بمستوى التعليم في مصر، وتقديم مناهج وبرامج تعليمية حديثة تُضاهي المُستويات العالمية، وتُساهم في بناء قُدرات الطلاب وتنمية مهاراتهم بما يُمكنهم من المُنافسة على المُستوى العالمي.

 وأفاد عبد اللطيف بأن المبدأ الجوهري الذي يرتكز عليه هذا النظام الجديد هو الانتقال من نموذج التعليم القائم على الحفظ والتلقين إلى نموذج تعليمي يُركز على تنمية مهارات التفكير العليا لدى الطلاب، مثل التفكير النقدي والتحليلي وحل المشكلات واتخاذ القرارات، وذلك من خلال توفير مناهج دراسية مُتطورة وأساليب تدريس حديثة تُشجع على المُشاركة الفعّالة والتفاعل بين الطلاب والمُعلمين، ما يُمكنهم من اكتساب مهارات البحث والتحليل والاستنتاج والتفكير المنطقي، وهي مهارات أساسية للنجاح في الحياة العملية والشخصية.

 ويعتمد هذا النظام الجديد على مبدأ الدمج بين مُختلف فروع المعرفة، حيث يتم دمج المواد العلمية مثل الرياضيات والعلوم مع المواد الأدبية مثل التاريخ والجغرافيا واللغة العربية، بالإضافة إلى المواد الفنية مثل الرسم والموسيقى، في إطار تعليمي واحد مُتكامل يهدف إلى تكوين شخصية الطالب بشكل شامل ومُتكامل، كما يتضمن هذا النظام اعتماد آلية للتقييم المُستمر لأداء الطلاب طوال العام الدراسي، بدلاً من الاعتماد على الاختبارات النهائية فقط.

   وكذلك يتميز هذا النظام الجديد بتقسيم المواد الدراسية على مدار عامين دراسيين على الأقل، ما يُتيح للطلاب وقتًا أطول لاستيعاب المناهج الدراسية بشكل أفضل، كما يُوفر النظام فرصتين امتحانيتين في كل عام دراسي، ما يُعطي الطلاب فرصة لتحسين أدائهم في حال عدم توفيقهم في المرة الأولى، ويزيد من مرونتهم في إدارة وقتهم واستعدادهم للامتحانات.

  وينقسم نظام البكالوريا الجديد إلى مرحلتين رئيسيتين: المرحلة التمهيدية، التي تُعادل الصف الأول الثانوي، والمرحلة الرئيسية، التي تشمل الصفين الثاني والثالث الثانوي. في المرحلة التمهيدية، يدرس الطلاب مجموعة من المواد الأساسية التي تُعد بمثابة قاعدة معرفية للانطلاق إلى المرحلة الرئيسية، وتشمل هذه المواد: مادة التربية الدينية التي تُساهم في بناء القيم والأخلاق، ومادة اللغة العربية التي تُنمي مهارات اللغة والتواصل، ومادة التاريخ المصري التي تُعرف الطلاب بتاريخ بلادهم وحضارتهم، ومادة الرياضيات التي تُطور مهارات التفكير المنطقي وحل المشكلات، ومادة العلوم المتكاملة التي تُقدم للطلاب مفاهيم أساسية في مُختلف فروع العلوم، ومادة الفلسفة التي تُشجع على التفكير النقدي والتساؤل، ومادة المنطق التي تُعلم الطلاب أُسس الاستدلال الصحيح، بالإضافة إلى مادة اللغة الأجنبية الأولى التي تُمكن الطلاب من التواصل مع العالم الخارجي.

وبالإضافة إلى المواد الأساسية الإلزامية التي يدرسها جميع الطلاب، يُوفر النظام الجديد مجموعة من المواد الاختيارية التي تُتيح للطلاب استكشاف مجالات اهتمامهم وتنمية مهاراتهم في جوانب مُحددة، ومن بين هذه المواد الاختيارية: البرمجة وعلوم الحاسب، التي تُمكن الطلاب من اكتساب مهارات أساسية في مجال التكنولوجيا والبرمجة، وتُعدهم لمواكبة التطورات المُتسارعة في هذا المجال.

   أما المرحلة الرئيسية في نظام البكالوريا، التي تشمل الصفين الثاني والثالث الثانوي، فتتميز بوجود مواد أساسية إجبارية، مثل اللغة العربية والتاريخ المصري، التي تُعزز الهوية الوطنية والانتماء، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من المواد التخصصية التي يُمكن للطلاب اختيار إحداها وفقًا لميولهم وقدراتهم واستعداداتهم لمُستقبلهم المهني، وتشمل هذه التخصصات: تخصص الطب وعلوم الحياة، الذي يُناسب الطلاب المُهتمين بالعلوم الطبية والأحياء، وتخصص الهندسة وعلوم الحساب، الذي يُناسب الطلاب المُتفوقين في الرياضيات والعلوم الفيزيائية، وتخصص الأعمال، الذي يُناسب الطلاب الراغبين في دخول عالم التجارة وإدارة الأعمال، وتخصص الآداب والفنون، الذي يُناسب الطلاب المُبدعين والمُهتمين بالأدب والفنون بأنواعها.

 وخلال الصفين الثاني والثالث الثانوي، وهما يُمثلان المرحلة الرئيسية من نظام البكالوريا، يواصل الطلاب دراسة المواد الأساسية التي بدأوها في الصف الأول الثانوي، مع التركيز على تعميق الفهم وتوسيع المعرفة في هذه المواد. كما يتم إضافة مواد تخصصية مُتنوعة تُناسب التخصص الذي اختاره الطالب، وتشمل هذه المواد على سبيل المثال: الكيمياء والأحياء والفيزياء والرياضيات للطلاب في التخصصات العلمية، والاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والفلسفة للطلاب في التخصصات الأدبية والإنسانية. ويُولي النظام اهتمامًا كبيرًا بمرونة عملية التقييم، حيث يُتاح للطلاب إعادة الامتحانات في مواعيد مُحددة، تُجرى اختبارات الصف الثاني الثانوي في شهري مايو ويوليو، بينما تُجرى اختبارات الصف الثالث الثانوي في شهري يونيو وأغسطس، ما يُعطي الطلاب فرصة إضافية لتحقيق أفضل النتائج.

   ويُقدم نظام البكالوريا الجديد ميزة هامة للطلاب تتمثل في إتاحة الفرصة لهم لدخول الامتحان للمرة الأولى بشكل مجاني، ما يُخفف الأعباء المالية عن الأسر ويُشجع الطلاب على بذل قصارى جهدهم دون قلق من التكاليف. ولكن في حال رغبة الطالب في إعادة الامتحان لأي سبب من الأسباب، سواء لتحسين الدرجة أو للتعويض عن عدم النجاح في المرة الأولى، فسيتم تحصيل رسم قدره 500 جنيه مصري عن كل محاولة إضافية في كل مادة على حدة، وذلك لتغطية تكاليف إعداد الامتحانات وتصحيحها والإشراف عليها.

  ويتميز نظام البكالوريا المصري الجديد بعدة مزايا تهدف إلى تيسير العملية التعليمية وتوفير فرص أفضل للطلاب، من أهمها: إمكانية دراسة مواد إضافية أو التوسع في مسارات تعليمية مختلفة بعد الانتهاء من المسار الأساسي الذي اختاره الطالب، ما يُمكنه من اكتساب مهارات ومعارف إضافية في مجالات مُتنوعة، كما يسمح النظام بإعادة الامتحانات في أي عام دراسي ضمن إطار زمني مُحدد، ما يُتيح للطلاب فرصة لتحسين درجاتهم في المواد التي لم يحققوا فيها النتائج المرجوة في المرة الأولى، أو للتوسع في مجالات دراستهم من خلال إعادة امتحان مواد سابقة بهدف تعزيز فهمهم أو الحصول على شهادات إضافية. ويهدف النظام بشكل عام إلى تيسير العملية التعليمية للطلاب وتوفير فرص مُتنوعة لهم لتحقيق أهدافهم التعليمية والمهنية.

  في أعقاب العرض الذي قدمه وزير التربية والتعليم حول نظام البكالوريا الجديد، جرى نقاش مُطول بين الوزراء الحاضرين في الاجتماع، تناول مُختلف جوانب النظام وأهدافه وآليات تنفيذه والتحديات المُحتملة. وقد تم خلال هذا النقاش تبادل الآراء والمُقترحات والاستماع إلى وجهات النظر المُختلفة، ما أسفر عن موافقة مبدئية من الوزراء على الخطة بشكل عام، مع التأكيد على أهمية إجراء المزيد من الدراسات والمناقشات التفصيلية حول بعض الجوانب الفنية والإجرائية لضمان التطبيق الأمثل للنظام، وعلى ضوء ذلك، أصدر رئيس مجلس الوزراء توجيهًا بتشكيل لجنة مُتخصصة من المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، تتولى مسؤولية دراسة آليات تنفيذ النظام بشكل مُعمق ووضع خطة عمل مُفصلة ومُتكاملة لتطبيقه على أرض الواقع، بالإضافة إلى إعداد صيغة نهائية ومُراجعة وشاملة للنظام ليتم طرحها في حوار مجتمعي مُوسع يُشارك فيه جميع الأطراف المعنية من خبراء تربويين ومُعلمين وأولياء أمور وطلاب ومُمثلين عن مُختلف شرائح المجتمع، وذلك قبل البدء في التطبيق الفعلي للنظام، بهدف ضمان تحقيق أكبر قدر من التوافق المجتمعي حول النظام الجديد والاستفادة من آراء ومُقترحات جميع الأطراف المعنية.