لم تكن تتكلم، فقط تهز رأسها وهي في سريرها بمستشفى القناطر الخيرية، حيث تعتمد على حنجرة صناعية للتنفس، ونظراتها مستقرة على وكيل النيابة العامة الجالس قرب الوسادة على مقعد بلاستيكي.

الطفلة الضحية تتحدث عن الاعتداء الذي تعرضت له من ابن عمها في القناطر
كان صوتها بالكاد مسموعًا، لكن عيناها سردت كل التفاصيل. خرجت "منى"، الطفلة ذات الثمانية أعوام والطالبة في الصف الثاني الابتدائي، من منزلها يوم الحادثة للحصول على خمسة جنيهات من والدتها لتشتري عصير قصب. بعد نصف ساعة فقط، عادت مصابة بجروح في رقبتها والدم يغطي جسدها. كان ابن عمها، الذي يكبرها بثلاث سنوات، قد اعتدى عليها في منطقة نائية خلف مقابر قرية شلقان بالقليوبية. حاولت منى المقاومة، فأصابها ابن عمها في رقبتها وتركها غارقة في دمائها داخل قناة مائية، ثم هرب على دراجته.

بدأت منى تحكي قصتها بهدوء لكنها تذكرت سريعًا اللحظات التي غيرت حياتها إلى الأبد: "كنت في البيت يوم الثلاثاء، زي أي يوم عادي. أنهيت واجباتي المدرسية وطلبت من أمي المال لشراء العصير. خرجت من المنزل دون أن أعرف أن هذا سيكون آخر يوم عادي في حياتي."

ركبت مع ابن عمها "سلامة"، الذي عرض عليها توصيلها إلى مكان ما: "سألته إلى أين نحن ذاهبون؟ فأجاب: سنذهب إلى جدي. ركبت معه الدراجة، في البداية لم يكن هناك شيء غريب، كان الطريق عاديًا. لكن بعد فترة، بدأت أشعر أننا نسلك طريقًا غير مألوف. كان المكان بعيدًا ووجدت نفسي ذاهبة إلى الموت بقدمي."

عندما وصلوا إلى مكان بعيد عن الأنظار، تغيرت الأمور تمامًا: "وصلنا إلى منطقة غير معروفة وطلب مني الاقتراب. بدأ يقول أشياء لم أفهمها، فرفضت وقلت له: هذا غلط، إذا عرف والدي سيقتلك. غضب وقال لي: مهما حاولتِ لن تتمكني من إيقافي. فجأة رفع السكين واعتدى عليّ، رفعني من الدراجة وطعنني في رقبتي. حاولت الصراخ لكن الألم كان شديدًا جدًا. عندما شعرت بأنني لن أستطيع التنفس، فقدت الوعي لفترة قصيرة. وعندما استيقظت وجدت نفسي على الأرض والدماء تغمرني بالكامل."

في تلك اللحظة الرهيبة، لم يكن أمام منى سوى محاولة الزحف على الأرض. "كان هناك الكثير من الدماء لكن حاولت الزحف. شعرت وكأنني سأموت هنا وأن الدنيا ضاقت عليّ. كنت أظن أنني لن أتمكن من النجاة." ورغم الألم، كانت لديها رغبة قوية في البقاء على قيد الحياة: "زحفت حتى وصلت إلى الطريق العام وصادفني أحد الأشخاص الذي حملني وذهب بي فورًا إلى المستشفى."

سيرًا لمسافة كيلومترين مصابة بجروح في الرقبة
وصلت منى إلى مستشفى القناطر الخيرية في حالة خطيرة جدًا. ومع تدخل الأطباء، أنقذت حياتها بعد معاناة من إصابات خطيرة في الرقبة استدعت تركيب حنجرة صناعية. وفي اليوم التالي، بدأت النيابة العامة تحقيقاتها بالاستماع لأقوال الطفلة في المستشفى. كشفت التحقيقات أن المتهم "سلامة"، وهو ابن عمها، هو من اعتدى عليها بإقناعها بالابتعاد عنه القرية.

عبرت منى عن صدمتها الشديدة مما حدث: "لم أكن أتوقع أن يرتكب أحد من العائلة هذا الفعل معي.. كان دائمًا يعتبر أخاً لي. كنت أراه في منزلنا مع عائلته ولم أتخيل أنه قادر على ارتكاب مثل هذه الجريمة." استدعت النيابة "سلامة" للتحقيق لكنه أنكر ارتكابه الجريمة مدعيًا أنه كان في حالة غير طبيعية وأن ما حدث كان نتيجة مشادة كلامية فقط. إلا أن التحقيقات والشهادات أكدت ضلوعه الكامل في الاعتداء.

قررت النيابة إيداع المتهم لمدة أسبوع في إحدى دور رعاية الأحداث على ذمة التحقيقات وتقديمه للفحص النفسي لتقييم حالته العقلية. أكدت التقارير الطبية تعرض الطفلة لإصابات بالغة استدعت تركيب حنجرة صناعية لها كجزء من عملية طارئة.

كانت والدة منى في حالة انهيار كامل