فجّر الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، مفاجأة بإعلانه أن مستقبل تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة مُعلّق على شرط أساسي، وهو أن تدفع الشركة الصينية المالكة للتطبيق، "بايت دانس" نصف قيمة التطبيق للخزانة الأمريكية كجزء من صفقة الموافقة على استمراره في العمل داخل البلاد، وقد أثار هذا الشرط تساؤلات قانونية وأخلاقية حول مدى قانونية اشتراط دفع مبلغ مالي مقابل السماح لشركة بالعمل في السوق الأمريكية.

  في تصريح مثير للجدل أمام الصحفيين، أشار ترامب إلى أن تطبيق "تيك توك" يشكل "تهديدًا للأمن القومي"، موضحًا أن الولايات المتحدة تمثل سوقًا ربحية للتطبيقات التكنولوجية العالمية، وأنه من الضروري أن تساهم الشركات الأجنبية ماليًا مقابل السماح لها بالعمل في السوق الأمريكية.

  وقال ترامب: "إذا كانوا يرغبون في الاستمرار هنا، يجب عليهم تقديم شيء في المقابل. نحن نمنحهم فرصة لتحقيق أرباح ضخمة، ومن العدل أن نحصل على حصة من تلك العوائد".

  جاءت هذه التصريحات بعد موجة من الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية على "تيك توك"، حيث اتهمت التطبيق بجمع بيانات المستخدمين الأمريكيين لصالح الحكومة الصينية، وهددت واشنطن في وقت سابق بحظر التطبيق إذا لم تلبِ متطلبات تتعلق بنقل الملكية أو إدارة البيانات

  ومن جانبها، رفضت الشركة المالكة لتطبيق "تيك توك"، "بايت دانس"، بشدة المطالب الأمريكية، واصفةً إياها بـ "غير العادلة" و"المجحفة". وأكدت الشركة التزامها التام بالقوانين الأمريكية المتعلقة بالخصوصية والأمان، مُشددةً على أنها تُخضع بيانات المستخدمين الأمريكيين لمعايير حماية صارمة. وأعربت "بايت دانس" عن سعيها الجاد لحل النزاع القائم عبر المفاوضات البناءة مع الإدارة الأمريكية، مُبديةً رغبتها القوية في الاستمرار في خدمة ملايين المستخدمين ضمن السوق الأمريكية، الذي يُعدّ سوقًا هامًا للتطبيق.

  ووصف مُحللون قانونيون واقتصاديون تصريحات الرئيس ترامب، التي ربطت بقاء "تيك توك" بدفع نصف قيمة التطبيق، بأنها سابقة خطيرة في مجال العلاقات التجارية الدولية، واعتبروا اشتراط دفع حصة من قيمة شركة أجنبية مقابل السماح لها بالعمل في السوق الأمريكي أمرًا غير تقليدي، بل ومُثيرًا للجدل من الناحية القانونية، حيث يُثير تساؤلات جدية حول مدى قانونية هذا الإجراء وتوافقه مع مبادئ التجارة الحرة وقواعد منظمة التجارة العالمية. كما حذروا من تداعياته الاقتصادية السلبية على المدى الطويل، حيث يُمكن أن يُشكل هذا الإجراء سابقة تُثني الشركات الأجنبية عن الاستثمار في الولايات المتحدة، خوفًا من التعرض لمُعاملة مُماثلة.

 وفي سياق هذا الجدل، يبرز قانون الطلبات الأجنبية الخاضعة للرقابة، الذي أقره الكونجرس ووقعه الرئيس السابق جو بايدن في أبريل. يُشترط هذا القانون حظر "تيك توك" في الولايات المتحدة اعتبارًا من 19 يناير، ما لم يتم بيعه لمُشترٍ أمريكي أو من أحد حلفاء الولايات المتحدة. ويمنح القانون الرئيس سلطة تقديرية واسعة بشأن كيفية تطبيق الحظر، مما يفتح المجال أمام المزيد من التطورات والتفسيرات القانونية في هذا الملف المُعقد.

 وعقب توليه منصبه، وقّع الرئيس ترامب على إجراء تنفيذي يُعطّل تنفيذ حظر "تيك توك" لمدة 75 يومًا. ومع ذلك، بقي مصير الشركة المالكة للتطبيق في السوق الأمريكية مُعلّقًا على شرط دفع نصف قيمة التطبيق، ما زاد من حالة الغموض وعدم اليقين المُحيطة بمستقبل "تيك توك" في الولايات المتحدة.

 وكان ترامب قد وعد في منشور على موقع "Truth Social" بأنه سيوقع إجراءً تنفيذيًا لوقف تطبيق الحظر، وهو ما أحدث ردود فعل سريعة ومُتباينة؛ فمن جهة، رحب مُستخدمو "تيك توك" بهذا الإجراء، بينما من جهة أخرى، أثار قلقًا قانونيًا واقتصاديًا، وقد شهد التطبيق توقفًا عن الاتصال بالإنترنت لأكثر من 12 ساعة بين ليلة السبت والأحد، قبل أن يعود للعمل في يوم الأحد بعد الظهر، ما يُشير إلى الضغوط التقنية والقانونية التي يتعرض لها التطبيق.

  وفي ظل تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين على عدة جبهات اقتصادية وسياسية، يترقب المستخدمون الأمريكيون، الذين يُقدّر عددهم بالملايين، بمزيج من القلق والترقب مصير تطبيق "تيك توك"، الذي يحظى بشعبية جارفة بين الشباب، ويبقى السؤال المطروح: هل ستنجح المفاوضات في التوصل إلى حل يُرضي جميع الأطراف؟ أم أن "تيك توك" سيُواجه مصير الحظر في الولايات المتحدة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات.