لم تكد أجواء عيد الفطر تنقضي حتى تحولت الفرحة إلى مأساة في حي الجمرك بمحافظة الإسكندرية، حيث شهدت منطقة بحري كارثة إنسانية تمثلت في انهيار عقار قديم مكون من ثلاثة طوابق، مما أدى إلى مصرع أم وأطفالها الثلاثة، بينما أصيب الزوج بجروح بالغة نُقل على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.

جاء الحادث بعد ساعات قليلة من انتهاء أيام العيد، وفي وقت كان السكان يستعدون للعودة إلى حياتهم المعتادة. إلا أن أصوات انهيار مفاجئ دوّت في حارة النخلة، عندما سقط المبنى المأهول بالسكان ليتحول ليالي الفرح إلى صدمة وحزن عمّ أرجاء المنطقة.

بدأت القصة حين تلقت الأجهزة الأمنية بلاغًا من شرطة النجدة يفيد بانهيار العقار. وعلى الفور، توجهت وحدات الشرطة والحماية المدنية مصحوبة بسيارات الإسعاف إلى الموقع، لتجد المبنى وقد أصبح كومة من الأنقاض وسط صرخات الأهالي الذين تجمعوا في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تحت الركام.

كارثة تحت الركام.. مشهد مؤلم يصور تلك اللحظات الأخيرة  
تمكنت فرق الإنقاذ عقب البحث المتواصل وسط الحطام من انتشال جثث الضحايا. وكان المشهد الأكثر تأثيرًا هو العثور على جثة الأم، أسماء، تحتضن أطفالها الثلاثة تمارا (8 سنوات)، محمود (4 سنوات)، ويونس (3 سنوات)، وكأنها كانت تحاول حمايتهم حتى اللحظة الأخيرة، ولكن الموت جمعهم في هذه الفاجعة المروعة. أما الزوج، فقد نجا من تحت الأنقاض بجراح خطيرة ونُقل إلى المستشفى الجامعي لتلقي العلاج.

شهادات من الجيران.. لحظات الصدمة التي لن تُنسى  
بسرد مؤلم، قال أحد سكان الحي: "كنا نعيش أجواء عيد الفطر قبل يومين فقط، واليوم نحفر بين الأنقاض بحثًا عن جيراننا الذين رحلوا". وأشار شاهد آخر إلى أنه سمع أصواتًا غريبة أشبه بالطقطقة قبل لحظات من الانهيار، إلا أن الزمن كان أسرع ولم يكن بيد أي أحد فرصة لتحذير السكان أو إخلائهم.

وبحسب التحقيقات الأولية، يتضح أن العقار كان قديمًا وبحالة متدهورة مع تصدعات واضحة، ولكن سكانه استمروا في العيش فيه رغم خطر الانهيار. وتبحث الجهات الأمنية الآن في احتمالية وجود تقصير من المسؤولين عن متابعة هذه المباني وما إذا كان هناك قرارات إزالة أو ترميم لم يتم تنفيذها.

من جانبه، شدد أحد مسؤولي الحي على أن المنطقة تضم الكثير من المباني القديمة المهددة بالانهيار، محذرًا من أن مثل هذه الحوادث قد تتكرر إذا لم تتخذ السلطات خطوات عاجلة لترميم العقارات المتهالكة أو إزالتها.

جهود الإنقاذ.. تحديات كبيرة وإنجاز وسط المحنة  
عملت فرق الحماية المدنية لساعات طويلة على إزالة الركام وتأمين المنطقة باستخدام المعدات الثقيلة لإجلاء الضحايا وانتشال الجثث. وأوضح أحد أفراد فريق الإنقاذ أنهم واجهوا صعوبة بالغة أثناء العمل نظراً لحجم الكارثة وتعقيد انتشال الأشخاص. وأردف قائلًا: "كنا نأمل العثور على ناجين، لكن للأسف لم نجد سوى الزوج مصابًا، بينما الأم وأطفالها كانوا فارقوا الحياة قبل وصولنا."

ما وراء الكارثة.. التساؤلات الكبيرة  
هذا الحادث يفتح باب الأسئلة حول المباني القديمة في الإسكندرية وإمكانية تأثيرها على السلامة العامة وحتى السياحة في المدينة. لماذا لا يتم اتخاذ إجراءات كافية لترميم العقارات المتهالكة؟ كيف يؤثر حوادث كهذه على الصحة النفسية للمجتمع؟ وما هي العقوبات المحتملة للطرف المسؤول عن إهمال هذه القضايا؟  

بالإضافة إلى ذلك، يبقى هناك تساؤل حول دور الجهات المختصة ومدى استعداد فرق الإنقاذ للتعامل مع مثل هذه الأحداث المعقدة. الأحداث المؤلمة تظل ذكرى عالقة في أذهان الجميع، لكن الأهم هو العمل الجماعي لتجنب المزيد منها مستقبلًا.