كان هندواي يدرك أن الماضي لا يفنى ولا يختفي، لكنه لم يكن يتوقع أن يجده يعاود الظهور فجأة، في وضح النهار وأمام متجره الصغير، حيث اعتاد أن يجلس مطمئنًا يراقب المارة، يلقي السلام عليهم، ويرش بضع قطرات من عطره على يد زبون دائم. لم يكن يعلم أن تلك القطرات الأخيرة من عطره ستختلط قريبًا برائحة البارود.

**تفاصيل جريمة قتل عطار بسبب الثأر في بولاق الدكرور**  
في ظهيرة هادئة بمنطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، وقف رجلان بهدوء على ناصية الشارع. أحدهما، حسن، كان يخفي شيئًا ثقيلاً داخل طيات ثيابه، يضغط على أعصابه وقلبه معًا. إلى جانبه وقف عبدالوهاب، عيناه تراقبان الطريق وكأنهما تحدّقان في العدم، غير أن هذا "العدم" كان يرى كل شيء.

في تلك اللحظة، كان هندواي مطمئنًا داخل محله كما اعتاد، وقد بدا كعادته محاطًا بالزبائن والمارة. ومع ذلك، لم تكن هذه اللحظات مضمونة. خطا حسن باتجاه المحل بخطوات ثابتة ومحسوبة. أخرج الطبنجة من جيبه برتابة قاتلة، رفع يده ببطء كأن الزمن نفسه يتوقف للحظات، ثم أطلق أول رصاصة. لا عيون هندواي ولا عقله استوعبا الواقعة فورًا، لكن جسده فهم الحقيقة المؤلمة. سقط العطار مترنحًا بينما توقف المارة في دهشة وذهول، وفِي لحظات معدودة أطلقت 3 رصاصات أخرى أنهت كل ما تبقى، لتغير مسار الحياة في الشارع للأبد.

**الشرطة تلقي القبض على المتهمين بقتل العطار**  
على وقع الفزع والصراخ، سقط هندواي ممددًا أمام متجره غارقًا في دمائه، بينما ظلت بقايا العطر تقطر من يديه. وصلت دورية الشرطة بعد دقائق كانت تبدو وكأنها ساعات؛ وكان على رأسها المقدم أحمد عصام، رئيس مباحث بولاق الدكرور. المشهد كان واضحًا ودامغًا: جسد ملقى أمام الدكان، تنبعث منه رائحة العطر والدم مشتبكين في مزيج غريب.

لم تستغرق التحريات وقتًا طويلًا. الشهود كانوا كثر، والمتهمان معروفان. حسن، الشاب الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، حمل فكرة الثأر فوق كتفيه منذ سنين، فقد رأى في هندواي دينًا قديمًا يستوجب السداد. أما عبدالوهاب فقد كان بمثابة الظل الذي أمن الطريق ليكون كل شيء سلسًا وسريعًا.

عملية القبض عليهما لم تكن معقدة؛ إذ لم يحاولا حتى الإنكار. حسن تحدث بهدوء أقرب إلى البرود وكأن ما فعله مجرد إجراء لا أكثر: "كان لازم يموت".