أجرت مراسلة شبكة BBC تجربة معايشة في مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب، التي كانت قبل انهيار نظام الأسد تُعدّ واحدة من المواقع الاستراتيجية الرئيسية للحرس الثوري الإيراني والجماعات المتحالفة معه. من الطريق الرئيسي، يبدو المدخل بالكاد مرئيًا، حيث يختبئ خلف أكوام من الرمال والصخور. وعلى قمة تل يطل على القاعدة، يوجد برج مراقبة لا يزال مطليًا بألوان العلم الإيراني.

في تقرير حديث تناول أوضاع القواعد الإيرانية والجماعات المرتبطة بها عقب إخلائها في سوريا، ظهرت تفاصيل مؤلمة عن حالة هذه المواقع التي شهدت توسعًا عسكريًا لسنوات طويلة قبل أن تتحول إلى مشاهد من الدمار. وفقًا لما أوردته "بي بي سي"، عُثر داخل هذه القواعد على بقايا طعام متحلل غير مكتمل التحضير، وزيّ عسكري متروك، وأسلحة مهجورة، مما يعكس انسحابًا متعجلًا للقوات الإيرانية دون أي استعداد مسبق.

مع فرار بشار الأسد من سوريا في ديسمبر الماضي، غادرت القوات الإيرانية مواقعها بشكل مفاجئ، تاركة خلفها آثارًا من عقد كامل من التواجد العسكري الذي انهار في غضون أسابيع. وقد لعبت إيران دور الحليف الأبرز للأسد طوال أكثر من عقد من الزمن، حيث أرسلت مستشارين عسكريين ونشرت ميليشيات أجنبية وضخت استثمارات ضخمة لدعم الحرب في سوريا.

قام الحرس الثوري الإيراني ببناء قواعد تحت الأرض بتصميم معقد وشبكات واسعة، وساهم في تسليح وتدريب الآلاف من المقاتلين. بالنسبة لطهران، كانت هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية "الحزام الأمني" لمواجهة تهديدات إسرائيل، كما أوضح التقرير.

إحدى القواعد الإيرانية احتوت على شبكة من الأنفاق المنحوتة عميقًا في التلال الصخرية البيضاء، وكان سقف أحد الممرات مغطى بقماش ملون بألوان العلم الإيراني، بالإضافة إلى عدد قليل من الكتب الفارسية الموضوعة على رف صخري.

التقرير أشار كذلك إلى أن القوات المغادرة تركت وراءها وثائق حساسة مكتوبة باللغة الفارسية تحتوي على معلومات شخصية للمقاتلين، بما في ذلك رموز عسكرية وعناوين سكنية وأسماء أسرية وأرقام هواتف داخل إيران. وتشير الأسماء إلى أن بعض هؤلاء المقاتلين كانوا ينتمون إلى اللواء الأفغاني الذي شكّلته إيران للمشاركة في الحرب السورية.

كما تم العثور على إيصالات حديثة لطلب إمدادات تتضمن شوكولاتة وأرز وزيت طهي، مما يدل على استمرار الحياة اليومية داخل القاعدة حتى اللحظات الأخيرة قبل الإخلاء. واليوم، أصبحت هذه القاعدة تحت سيطرة شاغلين جدد، لتُشكل فصلًا مختلفًا في تاريخها

يشغل القاعدة الإيرانية الآن اثنان من المقاتلين الأويغوريين المسلحين التابعين لهيئة تحرير الشام. يتحدث أحدهما إلى "بي بي سي" بلغته الأم، وهي إحدى اللهجات التركية، قائلاً: كان الإيرانيون هنا، لكنهم فروا جميعًا. كل شيء تراه هنا يعود إليهم، حتى البصل وبقايا الطعام.

من ناحية أخرى، أفادت مصادر مرتبطة بالجماعات المدعومة من إيران لـ"بي بي سي" الفارسية أن القاعدة كانت تضم في الأساس قوات أفغانية بمرافقة مستشارين عسكريين وقادة إيرانيين.

وأكدت مصادر متعددة مقربة من الحرس الثوري الإيراني لـ"بي بي سي" أن معظم القوات اضطرت للانسحاب إلى العراق، بينما تم توجيه البعض الآخر للانتقال إلى لبنان أو القواعد الروسية حيث أشرف الروس على إجلائهم من سوريا.

كان التدخل العسكري الإيراني في سوريا يُبرَّر رسميًا بـ"مكافحة الجماعات الجهادية" وحماية "المراقد الشيعية المقدسة" من هجمات المسلحين السنة المتطرفين. ومن أجل ذلك، أنشأت إيران مجموعات شبه عسكرية تتألف أساسًا من مقاتلين أفغان وباكستانيين وعراقيين. ومع ذلك، عندما حانت اللحظة الحاسمة، لم تكن إيران مستعدة بالكامل، إذ صدرت أوامر الانسحاب لبعض القواعد في اللحظات الأخيرة