أعادت الدولة الحياة من جديد لقصر عزيزة فهمي، ابنة علي باشا فهمي، الذي يُعد من أبرز معالم منطقة جليم شرق الإسكندرية. يتميز القصر بتصميمه المعماري الفريد ويقع على مساحة تُقدر بحوالي 20 ألف متر مربع، على مقربة من قصر الأمير محمد علي في نفس المنطقة. يُطل القصر مباشرة على مياه البحر المتوسط وشاطئ جليم، الذي أخذ اسمه من القصر والمنطقة المحيطة به، مما يجعله إحدى جواهر العمارة الكلاسيكية الإيطالية المميزة في المدينة.
بمجرد الانتهاء من أعمال الترميم والتطوير الشاملة لقصر عزيزة فهمي من الخارج، أصبح أشبه بقطعة من باريس تتألق وسط حي جليم في الإسكندرية. خصوصًا عندما يُضاء ليلًا وسط عتمة المدينة، حيث تتحول المصابيح الموزعة على الأسقف والجدران والنوافذ إلى لوحات فنية رائعة تجسّد ملامح العمارة الإيطالية الممزوجة بسحر البانوراما الباريسية، ما يجعل الزائر يشعر وكأنه أمام أحد القصور الباريسية الفاتنة.
تم تشييد قصر عزيزة فهمي عام 1903 مباشرة على كورنيش الإسكندرية، في منطقة بين جليم وزيزينيا، ليكون مصيفًا خاصًا لعزيزة هانم فهمي، ابنة علي باشا فهمي، كبير مهندسي القصر الملكي. وقد صُمم القصر بطراز "نيو كلاسيك" أو العمارة الكلاسيكية الإيطالية المستوحاة من أساليب البناء اليونانية، على يد المهندس الإيطالي جرانتوا الذي كان مقيمًا في القاهرة آنذاك ويحمل الجنسية الإيطالية.
الجدير بالذكر أن جرانتوا نفسه هو الذي صمم قصر شقيقتها زينب فهمي، الكائن في المنطقة ذاتها، والذي أتمت بناءه لاحقًا ابنتها الأميرة فاطمة علي حيدر. تحول قصر زينب اليوم بعد استحواذ الحكومة المصرية عليه إلى متحف المجوهرات الملكية، حيث تعرض فيه مقتنيات الأسرة العلوية، أسرة محمد علي باشا، في منطقة زيزينيا. ولعائلة فهمي بصمة معمارية أخرى تمتد إلى القاهرة، حيث يقع قصر عائشة هانم فهمي المطل على نهر النيل والذي تستغله الآن وزارة الثقافة المصرية كمركز فني وثقافي.
وفقًا للخبير الأثري أحمد عبد الفتاح، عميد الأثريين بالإسكندرية وعضو اللجنة الدائمة للآثار، فإن قصر عزيزة هانم فهمي مُدرج ضمن قائمة المباني التراثية ذات الطراز المعماري الفريد بمحافظة الإسكندرية ضمن الفئة (أ)، التي تعتبر الأهم والأعلى تصنيفًا. واعتبر أن تدخل الدولة لإنقاذ القصر كان خطوة بالغة الأهمية، خاصة بعد عقود من الإهمال التي كادت أن تُفقد المبنى قيمته التاريخية تمامًا. وقد شملت أعمال الترميم مشروعًا دقيقًا لإصلاح العناصر المعمارية وتعزيز الأساسات الهيكلية للمبنى، ليعود القصر إلى رونقه الأصلي بزخارفه الساحرة وعبق التاريخ الذي ينبعث من جدرانه وغرفه الممتدة عبر طابقين. يحتل القصر مع حدائقه مساحة تقارب 20 ألف متر مربع، ما يمنحه موقعًا استثنائيًا يعكس جمال الماضي بروح الحاضر.
قال عبد الفتاح في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم» إن القصر يُعد رمزًا للعصر الذهبي لمنطقة جليم، وأحد الشواهد الباقية على تلك الحقبة الجميلة والمميزة. في ذلك الوقت، كانت مدينة الإسكندرية تُعتبر سيدة المدن الساحلية للبحر المتوسط ووجهة عالمية بارزة في موسم الصيف بشواطئها الساحرة، وعلى رأسها شاطئ جليم. كان أثرياء مصر يقضون عطلاتهم الصيفية في جليم، وظل القصر حتى وقت قريب وجهة مميزة استضافت العديد من نجوم الفن والطرب الأصيل مثل محمد عبد الوهاب، ليلى مراد، محمد فوزي، محمد عبد المطلب، عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، بفضل موقعه الفريد المطل مباشرة على البحر.
أشار المتحدث إلى أن القصر بحدائقه الخضراء يُعد درةً تاريخية في منطقة جليم، حيث يشكل هو وحدائقه ثروة سياحية فريدة للدولة المصرية إذا ما تم استغلاله وإعادة الانتفاع به بالشكل الأمثل. وأوضح أن القصر يمثل نموذجًا مصغرًا لقصور المنتزه الشهيرة مثل السلاملك والحرملك وقصر رأس التين، ويُجسد جانبًا مهمًا من التاريخ المصري العظيم. كذلك، اعتبر قصر عزيزة فهمي أفخم من قصري شقيقتيها، عائشة وزينب، لما شهده من أحداث تاريخية وحضارية وثقافية بارزة. وأثنى على جهود الدولة الأخيرة في إنقاذه من الإهمال، حيث تبنت مشروعًا شاملًا لترميمه وتطويره وإعادته إلى الحياة بعدما ظل مهجورًا لسنوات. وشدد على أن هذا المشروع يمثل خطوة كبيرة في الحفاظ على تراث مصر والاهتمام به، مما يضمن إعادة تألق القصر مرة أخرى.
لفت إلى أن مشروع الترميم منح القصر حياة جديدة بعد سنوات من التدهور البطيء بسبب العوامل الطبيعية، مثل النوات الشتوية في الإسكندرية وارتفاع معدلات الرطوبة والملوحة الناتجة عن قربه من البحر بالإضافة إلى طبيعة المدينة الساحلية المميزة. وأكد أنه لولا تدخل الدولة ومبادرة ترميم القصر، لكان قد تعرض للتآكل والتدمير تدريجيًا. كما وصف القصر بأنه تراث مصري مهم للغاية، مشددًا على أن "من يريد مشاهدة جليم في أوج جمالها، فلينظر إلى القصر".
من جانبه، أكد عبد الفتاح أهمية القصر باعتباره أثراً عمره يتجاوز المئة عام وضرورة استغلاله بشكل أمثل، مقترحًا تحويله إلى فندق كلاسيكي. وأوضح أن العديد من الزوّار الأجانب، وخاصة الأثرياء منهم، يفضلون الإقامة في فنادق ذات الطابع الكلاسيكي العريق. كما دعا الدولة إلى طرح القصر للقطاع الخاص للاستثمار فيه، مع ضمان تعويض الملاك إما ماليًا أو بأراضٍ بديلة للاستصلاح، مشيرًا إلى أن أوروبا تمتلك نموذجًا رائدًا في استغلال القصور التاريخية وتحويلها إلى وجهات سياحية فاخرة تطل على البحر المتوسط، وهو نهج نأمل الاقتداء به.
وأشار كذلك إلى التفرد الذي يتمتع به قصر عزيزة فهمي في الإسكندرية، معتبرًا إياه في المرتبة التالية مباشرة لأبرز قصور المدينة مثل رأس التين وقصور المنتزه والسلاملك والحرملك وفايقة هانم.
وفي السياق نفسه، أوضح الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة الأمانة الفنية للحفاظ على تراث الإسكندرية سابقًا، أن قصر عزيزة فهمي مسجّل ضمن المجلس الأعلى للآثار كأثر تاريخي وكذلك ضمن مجلد التراث بالفئة (أ)، مما يعكس أهميته وقيمته الكبيرة. وأضاف أن عزيزة فهمي هي شقيقة عائشة وزينب فهمي، بنات علي باشا فهمي، وقد بُني القصر بالتزامن مع استكمال كورنيش الإسكندرية الممتد شرقاً نحو المنتزه. وأشار إلى أن المصممين الإيطاليين دانتا مارو وجرانتو ريتجيا هما المسؤولان عن تصميم القصر والكورنيش معاً.
ونوّه بأن القصر يتميز بطراز عصر النهضة الإيطالي المعروف باسم "بارديان ديزاين"، وهو تصميم يركز على صالة مركزية واسعة تحيط بها الغرف من جميع الأطراف لتكون جميعها مطلة على الصالة بشكل مباشر. وذكر أن آخر أعمال ترميم خفيفة أجريت للقصر كانت بعد ثورة 1951 واقتصر التنفيذ على الخارج فقط للحفاظ على الرسومات الداخلية التي تتطلب خبرة دقيقة ومهندسين متخصصين.
واختتم بالتأكيد على أن القصر يُعتبر أحد أبرز المباني المعمارية التراثية التي تحتاج إلى صيانة مستمرة لمواجهة عوامل الزمن والطبيعة، مشيرًا إلى وجود حوالي 100 فيلا وقصر مشابه في الإسكندرية مدرجة ضمن سجلات التراث وفق أهميتها ضمن الفئات (أ، ب، ج). ويقع قصر عزيزة فهمي ضمن الفئة (أ) كواحد من أبرز المباني التراثية ذات الطابع الخاص والمميز