الكاتبة : إيمان سالم

«خبطوه هو وعم أبوكريم على كوبرى الأميرية فى القاهرة، خدوا جثته وهربوا، وسابوا عم أبوكريم مصاب فى الشارع، ولقينا جثمانه بعد ٤ أيام مرمى وسط الزبالة ومتحلل».. بهذه الكلمات تلخّص «فاطمة»، مأساة عمها وحماها «خيرى»، الرجل الثمانينى الذى خرج لجمع الخُردة، فدهسه «ميكانيكى» بسيارته الملاكى ومرافقه، وبدلًا من إسعافه، حملا جثمانه وفرّا به، بينما نُقل الشاهد إلى المستشفى مصابًا، وقادت التحريات لاحقًا إلى ضبط المتهمين.

«خيرى»، الذى قضى عمره يجمع العلب الفارغة من الشوارع، كان معتادًا أن يرافقه صديقه «أبوكريم»، الذى يصغره ببضع سنوات، فى جولات العمل اليومية، يومها، كان كل شىء يسير كالمعتاد حتى تعطلت فردة الكاوتش، وتوقف التروسيكل عند النزلة المؤدية لقسم الشرطة.

لم يكن هناك وقت للصراخ، تقول فاطمة لـ«المصرى اليوم»: «عمى كان بيصلّح فردة الكاوتش مع أبوكريم، والاتنين كبار فى السن، فجأة جت عربية ملاكى بسرعة جنونية وخبطتهم».

الاصطدام لم يقتل الرجلين معًا، «أبوكريم» تعلّق فى هيكل التروسيكل فلم يسقط أرضًا، بينما «خيرى»، الذى كان أكثر قربًا من السيارة، دُهس جسده تحت الإطارات، وفق ما رصدته كاميرات المراقبة ورواية أسرة المجنى عليه.

لكن الصدمة لم تتوقف عند هذا الحد، فبدلًا من أن يتوقف السائق لإنقاذ المسنين، نزل من سيارته هو ومرافقه، وانهالا على «أبوكريم» بالضرب لإبعاده عن الجثة.. «ضربوه وزقوه، وقالوا له: إحنا هناخده نلحقه بالمستشفى»، تحكى «فاطمة».

«أبوكريم»، الذى لم يملك سوى التصديق، صعد معهم إلى السيارة، وظنّ أنه سيكون شاهدًا على محاولة لإنقاذ رفيق عمره، لكنه فوجئ بسائق السيارة ومرافقه يسلكان طريقًا آخر، بعيدًا عن المستشفى، وحين حاول الاعتراض، تلقى ضربة قوية على ذراعه أخرجته من «الملاكى» قسرًا.

«اتصل بينا بعد كده، بيصرخ وبيقول: خيرى مات، وخدوه منى بالعافية»، تقول «فاطمة»، التى بدأت وأسرتها رحلة بحث مضنية بين المستشفيات، بحثًا عن جثمان صاحب الـ٨٠ عامَا: «رحنا مستشفى مستشفى، قسم قسم، ماكانش ليه أى أثر.. كأن الأرض ابتلعته».

الابن، أحمد خيرى، كان من أوائل من وصلوا إلى مكان الحادث، وجد التروسيكل، وبقايا من الدماء، لكن لا أثر للجثمان: «فردة الكاوتش كانت لسه بايظة، وصاحب أبويا كان مرمى على جنب، متكسر.. بس أبويا.. مالوش أى وجود».

فى اليوم الأول، لم تصل تحريات الشرطة إلى شىء، حيث حررت أسرة الضحية محضرًا، الكاميرات رصدت لحظة الاصطدام، وأظهرت السيارة التى دهست «خيرى»، لكن رقم اللوحة لم يكن واضحًا بما يكفى، تقول «فاطمة»: «فضلنا نلف بالشوارع، وبندعى نلاقيه حى، بس جوا قلبنا كنا حاسين إنه مات».

فى اليوم الـ ٤، تلقى قسم الشرطة بلاغًا من أحد العاملين فى مخزن مهجور قرب مصنع ناءٍ على أطراف القاهرة، البلاغ أفاد بالعثور على جثة رجل مسن ملقاة وسط القمامة، مغطاة بقماشة بيضاء، وفى حالة تحلل.

النيابة العامة استدعت الأسرة للتعرف على الجثمان: «مشينا من البيت للمشرحة، قلبنا فى رجلينا، مافيش فينا حد بيتنفس»، تقول «فاطمة»، لحظة رفع الغطاء كانت قاسية،: «كان وشه داب خلاص، بس أحمد عرفه من علامة فى إيده».

«خيرى»، الذى عاش حياته بين أكوام الخُردة، قُتل دهسًا، وألقى به وسط القمامة، وانتهى به المطاف فى مشرحة زينهم، جسدًا متحللًا لا يعرفه أحد، هذا ما ردده أولاد الضحية.

«إحنا مش مصدقين، أبويا بنى آدم زينا، ليه يترمى كده؟»، يسأل «أحمد»، الذى لم يزل عاجزًا عن استيعاب الفكرة، رغم مرور أيام.

الشرطة تابعت تحرياتها، ونجحت أخيرًا فى الوصول إلى هوية المتهمين، السائق، الذى يعمل ميكانيكيًا، ومرافقه، الذى كان برفقته فى السيارة، جرى ضبطهما، وبحوزتهما السيارة التى استخدماها فى الجريمة.

كاميرات جديدة من أحد المحلات أظهرت بوضوح لحظة الاصطدام، ثم قيام الرجلين بحمل الجثمان إلى صندوق السيارة، ثم دفع «أبوكريم» خارج المركبة.

«دى جريمة مش حادث سير»، يقول «أحمد»، بنبرة غضب مكبوت، قبل أن يضيف: «كان ممكن يسعفوه، أو حتى يبلغوا الإسعاف.. لكن هما قرروا يدفنوه من غير تراب».

ما هي أسباب الوفيات المفاجئة التي تؤثر على العمالة البسيطة؟
كيف يمكن حماية الشباب المعيلين لأسرهم من المخاطر؟
كيف يمكن تعزيز الدعم المجتمعي للمسنين والضعفاء؟
ماذا حدث للشاهد المصاب بعد حادثة دهس جامع الخردة؟
ما هي إجراءات السلامة الواجب اتباعها في الأزمات الطارئة؟