الثلاثاء, 04 فبراير 2025 09:08 مساءً 0 141 0
بسبب 5 جنيهات.. 21 طعنة تُنهي حياة سايس في شبرا
بسبب 5 جنيهات.. 21 طعنة تُنهي حياة سايس في شبرا

تحت شمس الظهيرة الحارقة، كان الحي يضج بضجيجه المعتاد، غير واعٍ بأن تلك اللحظات ستشهد نهاية مأساوية لحياة مجدي المعروف بلقب "الحنين". لم يخطر ببال أحد أن خلافًا بسيطًا على خمسة جنيهات فقط سيُشعل فتيل كارثة فاجعة، مُمزِّقة ما تبقى من الهدوء المهترئ في زوايا شوارع شبرا الخيمة. انتهى الأمر بمجزرة أودت بحياة مجدي على يد فني كهربائي وجّه إليه 21 طعنة متفرقة.

مجدي، شاب في بدايات عقده الثالث، قضى سنواته يكافح في مهنة شاقة تحمل تناقضًا مع ملامح الطيبة التي كانت ترتسم على وجهه. كان "سايس العربيات" كما يناديه أهل الحي، لكن بالنسبة لهم هو أكثر من مجرد عامل بسيط يقف في الشارع بحثًا عن قوت يومه. كان شخصية مرحة تمسح عن وجوههم ضغوط الحياة بابتسامةٍ خفيفة. لكن تلك الابتسامة غابت إلى الأبد في ساعة عنف بلا رحمة.

في لحظة غضب جامحة، أخرج الجاني مطواة من جيبه وانهالت الطعنات على جسد مجدي. البداية من قدمه، ليهوي فجأة على الأرض. وكأن سقوطه أشعل نيران عدوانية لا تنطفئ، واصل المعتدي ضرباته الواحدة تلو الأخرى بلا توقف، حتى أكمل 21 طعنة موزعة بين أطراف جسده الهامدة. الجراح كانت عميقة، ولم يدع الفرصة لأي مقاومة أو بصيص نجاة. وثّقت كاميرات المراقبة وشهادات العيان هذه اللحظات المحزنة، لكنها عجزت عن فك لغز ذلك العنف المفرط الذي أنهى حياة "الحنين" بهذه البشاعة

في ركن منزلها الصغير، كانت الحاجة رضا تحضّر كوب الشاي المعتاد بيدين أثقلتهما الأيام، بانتظار عودة مجدي ليجلس أمامها ويشاركها تفاصيل يومه الطويل، كما اعتاد كل مساء. كان هو كل شيء بالنسبة لها؛ ابنها، عكازها، ونبض حياتها. بصوت متهدّج بالكاد يُسمع، قالت: "كان كل حياتي". الكلمات خرجت منها وكأنها تتعثر في الطريق، خرساء من شدة الألم.

رن الهاتف فجأة وكسر السكون. على الطرف الآخر، حمل الصوت المتوتر خبراً لم تستطع إدراكه في البداية: مجدي في المستشفى العام. تجمّدت للحظة بين التصديق والإنكار، انزلق كوب الشاي من يدها لتتبعثر شظاياه، لكنها لم تلتفت له قط. اندفعت إلى الشارع، أوقفت أول توك توك مرّ أمامها بلا تفكير، تعلق بذهنها أمل مفزع: حادث بسيط… مجرد جرح يمكن علاجه.

"كنت فاكرة إنه مجرد خدش أو كدمة… لكن لما وصلت هناك وشفت الناس بتبص لي بطريقة غريبة، فهمت إن الوجع أكبر وأثقل مما تخيلت". بأصابع مرتجفة تعصر حافة كرسيها المخشب، تابعت كلامها وكأنها تسحب الكلمات من بئر عميق داخل قلبها المنفطر: "دخلت… لقيته على السرير، متغطي بالكامل. صرخت وطلبت أشوفه. لما شالوا الغطا، الدم كان في كل مكان… ما قدرت أتمالك نفسي. كل اللي قدرت أقوله: ليه يا مجدي؟ ليه؟".

الحاجة رضا لم تكن تحكي مجرد قصة؛ كانت تعبر بين أشلاء ذاكرتها إلى تلك اللحظة الملعونة التي لا تفارقها. الكلمات خرجت متقطعة، ثقيلة كأنها تنزف مع كل حرف. كان حديثها شهادة على ألمٍ لا يُنسى وجرح يأبى أن يلتئم.

مجدي كان محور حياة الحاجة رضا، الابن الذي ملأ الفراغ الكبير الذي تركه وفاة والده قبل أربعة عشر عامًا. تحمل مجدي المسؤولية مبكرًا، يعمل تحت أشعة الشمس ليؤمن لقمة العيش لهما، وكان دائمًا يطمئن والدته بجملة واحدة تفيض بالحب والثبات: "ما تقلقيش يا أمي، أنا سندك". لكن ذلك السند اختفى فجأة، تاركًا أمًا مثقلة بالذكريات والألم.

برغم الفقد، لا تزال الحاجة رضا تتحدث عن ابنها وكأنه ما زال بيننا. تقول إن اسمه كان رمزًا للحنين والحب، فقد عُرف بطيبة قلبه وإيثاره، يساعد كل من حوله دون تردد. بالنسبة لها، كان ابنها هو القوة التي دفعتها للاستمرار بعد وفاة والده. تسرد أيامه الماضية بتفاصيل متدفقة: كيف حملها على أكتافه وهي في أضعف لحظاتها، وكيف كان يحلم ببناء منزل جديد ليعيشا فيه معًا، ويتزوج ليمنحها السعادة التي تمنت أن تراها في عينيه. إلا أن الأقدار قطعت حبل الأحلام فجأة، دون إنذار.

الحزن الذي تعيشه الحاجة رضا اليوم ليس جديدًا عليها، فقد ذاقت مرارته من قبل عندما فقدت ابنها الأصغر، حمدي، منذ عشرين عامًا. لم يتعدَ عمره حينها العاشرة، وكان موته أول كسرة أليمة لقلبها. "كنت فاكرة إن موت حمدي هو أكبر ألم ممكن أحسه. كنت غلطانة. لما مات مجدي، حياتي انتهت. الأول كان قضاء ربنا، أما ده… ده كان ظلم وإجرام".

تستعيد ذكريات اللحظات البسيطة التي جمعتها بابنها الأكبر، كأنهما يجلسان معًا على عتبة المنزل يتحدثان عن الغد بشيء من التفاؤل. "كان دايمًا يقول لي إن بكرة هيكون أفضل، وإننا لازم نصبر. لكنه رحل، وتركني وحيدة وسط مخاوفي من الأيام المقبلة. من سيحمل عني هذا العبء الآن؟ من سيكون سندي؟".

القبر الذي ضم الجسد وترك القلب جريحًا  
بعد أن وُوري مجدي الثرى، وجدت الحاجة رضا نفسها عالقة بين أوجاع الفقد وزيارة القبر يوميًا. كانت تجلس لساعات قرب التراب الذي غطى جسده، تحدثه بصوت تختلط فيه الشكوى بالشوق، وكأنها تراه أمامها بعينيها. تسأله: لماذا يا مجدي؟ لماذا تركتني؟ من سيهتم بي الآن؟ من سيمد لي يده إذا تعثرت؟ كنت أنت الدعم والسند، كنت أنت الخوف والاهتمام بي. الآن من؟ من سيراني حقًا؟  

كانت دموعها تنهمر بلا هوادة، لكنها لم تكن تشعر بوقعها. كانت تقضي وقتها جالسة أمام القبر وكأنما فقدت جزءًا من حياتها معه. تلومه أحيانًا في حديثها إليه، لكنها تدرك في أعماقها أنه لم يكن الأمر بيده، ولم يكن يستحق هذه النهاية

الحي الذي افتقد الدفء  
في شبرا الخيمة، لم يكن وجيران الحاجة رضا أقل حزنًا على مجدي. تحدثوا عنه وكأنه فرد من عائلتهم، وأجمعوا على صفاته الطيبة. أحدهم قال إنه كان دائم الابتسام، لا يؤذي أحدًا، ولم يُرَ يومًا غاضبًا أو منفعلًا.

في ذلك الحي المفعم بالحياة، أطبق الحزن عليه كستار ثقيل. حتى السيارات التي كان مجدي ينظف زجاجها توقفت، كأنها تستودعه بصمتها الأخير.

كل ما تريده هو عودته  
بعد وقوع الجريمة، لم يحاول الجاني الفرار. ذهب بنفسه إلى قسم الشرطة ليسلم نفسه. الحاجة رضا روت بحزن ما قيل لها عنه: أنه نادم. لكن كلمات الندم بالنسبة لها كانت فارغة. "الندم مش هيعيد لي ابني"، قالت بتنهيدة مثقلة بالألم.

على الرغم من قرار النيابة بحبس المتهم احتياطيًا على ذمة التحقيقات، لم يخفف ذلك من جروح الأم المفتوحة. "العدالة مش هتداوي قلبي ولا هترجع لي مجدي. أنا مش عايزة حاجة غير ابني"، عبرت عن مشاعرها محطمّة. "لو يقولوا لي خذي كل حاجة واتركي ابنك يعود... كنت سأفعل بلا تردد".

في أزقة الحي المكلوم، وفي قلب الحاجة رضا، استحالت الحياة كما كانت. مجدي، الذي كان يضفي على المكان بهجة بابتسامته وهو يمسح زجاج السيارات، غادر تاركًا خلفه فراغًا يستحيل ملؤه. ذكرت بألم أنها تشعر وكأنها ميتة رغم كونها على قيد الحياة، بينما كانت تمسح دموعها التي لم تتوقف.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
قتل سايس شبرا

محرر المحتوى

Eman Salim
محرر محتوى و كاتب
محرر محتوى و كاتب

شارك وارسل تعليق

أخبار مشابهة

القنوات الفضائية المباشرة

قنوات البث المباشر video">
قناة ONTime sports 2
2024-12-04
قنوات البث المباشر video">
قناة ONTime sports
2024-12-04
قنوات البث المباشر video">
قناة beIN SPORTS
2024-12-04
قنوات البث المباشر video">
قناة الحدث
2024-11-27
قنوات البث المباشر video">
قناة الجزيرة
2024-11-27